--------------------------------------------------------------------------------
على مر العصور تعرضت فلسطين للاحتلال المتعاقب؛ مما سلط الأضواء على الجوانب السياسية فيها، وأدى إلى إهمال بيئتها؛ فقد سيطر الإسرائيليون على الموارد الطبيعية للمناطق المحتلة، وفرضوا قيودًا حالت دون الاستفادة منها، كما صيغت سياسات السلطات المحتلة بالشكل الذي يخدم الاحتلال دون أي مراعاة لقوانين البيئة وسلامتها.
ولعب الاحتلال دورًا مهمًا في تغيير الملامح البيئية للضفة الغربية وقطاع غزة، وأدى إلى تشعب المشاكل الموجودة أصلا؛ فمصادرة الأراضي لبناء المستوطنات والسيطرة على الموارد المائية والاستغلال الجائر للموارد الطبيعية كلها ساعدت على تفاقم الأزمة البيئية، ثم إن انهماك الإنسان الفلسطيني في تحرير أرضه، وسعيه من أجل الحصول على لقمة عيشه قللا من اهتمامه بالبيئة.
وعلى الرغم من صغر مساحة فلسطين (26323كم2) فإنها موطن لأنواع مدهشة من النباتات والحيوانات؛ إذ إنها مركز التقاء ثلاث قارات "أوروبا وآسيا وأفريقيا"، وهو ما حدا بالرحالة القدماء على تسميتها بلاد السمن والعسل؛ كونها تتمتع بدرجة عالية من التنوع البيئي والمناخي، ويعيش فيهما أنواع مختلفة من الحيوانات والطيور المحلية والمهاجرة، وبعض النباتات والأشجار الأصلية، وأخرى جلبتها معها الشعوب التي حكمت البلاد على مرّ العصور.
فيوجد بفلسطين حوالي 95 نوعًا من الثدييات، منها 28 نوعًا من الخفافيش، و6 أنواع من البرمائيات، و93 نوعًا من الزواحف، و470 نوعًا من الطيور، وتشهد فلسطين هجرة كثيفة للطيور؛ إذ تمر في سمائها سنوياً ملايين الطيور المهاجرة بين الشمال والجنوب. إلا أن أعداد هذه الحيوانات محدودة بسبب صغر المساحة، وتعدي النشاط البشري في فلسطين عليها؛ لذلك فإن هناك بعض الأنواع من الحيوانات مهددة بالانقراض ما لم تتخذ إجراءات لحمايتها.
تنوع.. يهدده الاحتلال
تبلغ مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة من المساحة الكلية لفلسطين أقل من 6000 كم2، وتتميز الضفة الغربية بكونها منطقة جبلية. أما غزة فهي شريط ساحلي شبه مستطيل تبلغ مساحته 360كم2. يسود فلسطين مناخ بحر متوسطي، جاف معتدل صيفًا ومطير بارد شتاء، ويراوح متوسط درجات الحرارة في فصل الصيف بين 21.7 و23.7 درجة مئوية في الضفة الغربية، ويبلغ 24.8 درجة في قطاع غزة. أما في الشتاء فيراوح بين 8 درجات و14.2 درجة في الضفة الغربية، ويصل في قطاع غزة إلى 14 درجة، ويراوح المعدل السنوي للأمطار في الضفة الغربية بين 500 و600 مليمتر، ويسقط سنويا نحو 400 مليمتر على قطاع غزة.
بيد أن التنوع الحيوي الذي خلقه هذا التنوع المناخي على مدى الأزمان السالفة بات مهددًا ومعرضًا لأخطار عديدة كسوء استخدام الأراضي لإقامة المستوطنات الإسرائيلية خاصة في الضفة الغربية، وإقامة المشاريع، وشق الطرق الالتفافية بصورة عشوائية، واستخدام المبيدات الحشرية والمخصبات والهرمونات في الأغراض الزراعية، إضافة إلى القطع العشوائي للأشجار والرعي الجائر؛ وهو ما يؤثر على الحياة البرية.
ويبلغ عدد أنواع النباتات البرية في فلسطين نحو 2384، بينها أكثر من 140 صنفا مستوطنا غير موجود في أي منطقة أخرى من العالم. ويشار هنا إلى الأضرار الفادحة التي لحقت بالغابات التي كانت تكسو معظم براري فلسطين، وأصبحت اليوم جرداء من جراء الاستغلال البشري الجائر، خاصة من قبل قوات الاحتلال التي عمدت إلى إقامة المستوطنات محلها.
وتشير الإحصائيات إلى أن 70.7% من جملة مساحة الغابات في الضفة الغربية قد تضررت، ولم يتبق منها سوى 29.3%، ويلاحظ أن جميع أنواع الضرر راجعة لإقامة المستوطنات الإسرائيلية عليها، بالإضافة إلى مصادرة أراض أخرى لإقامة مواقع عسكرية أو أماكن مغلقة أو طرق التفافية.
المستوطنات تغتال البيئة
وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية من أبرز التحديات التي تواجه البيئة الفلسطينية، بدءًا من مصادرة الأرضي وتجريف الغابات، ومرورًا بتصريف تلك المستوطنات للمياه العادمة في الأراضي المجاورة، وهو ما لوث مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الفلسطينية، وليس انتهاء بالطرق الالتفافية التي تخدم المستوطنات، وتعوق التنمية والعمران، وتبلغ مساحة المستوطنات ومراكز الجيش ما يقارب 21% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.
وتلوث إسرائيل البيئة الفلسطينية غير آبهة بالعواقب؛ فهي تقيم مناطق صناعية إسرائيلية داخل حدود الضفة الغربية، وتنقل الصناعات الملوثة إليها، وقد صادرت أكثر من 3000 دونم (3 كم2) لإقامة 7 مناطق صناعية إسرائيلية على أراضي الضفة الغربية.
وعلى رغم محدودية المعلومات المتوافرة للفلسطينيين عن النشاطات الصناعية داخل تلك المناطق بسبب التعتيم على نوعية الصناعات وكميات الإنتاج والمخلفات؛ فإن التقديرات تشير إلى وجود ما يزيد على 200 مصنع إسرائيلي داخل هذه المناطق الصناعية، معظمها من الصناعات الملوثة مثل دباغة الجلود وطلاء المعادن وصباغة النسيج وصنع البطاريات والمبيدات والصناعات البلاستيكية.
كما تتخلص إسرائيل من نفاياتها الخطرة في المناطق الفلسطينية بدفنها سرًا في الأرض؛ ففي آيار (مايو) 1988 اكتشف مسئولون فلسطينيون نحو 50 برميلا من المواد السامة مدفونة بالقرب من طولكرم وعزون.
ماذا يحدث على الأرض؟
وليس معقولا إلقاء كل اللوم فيما أصاب البيئة الفلسطينية على الاحتلال.. فللأسف نجد أن الكثير من المشكلات التي تعاني منها البيئة كان سببها الفلسطينيين أنفسهم؛ نظرًا للإهمال، وغياب التخطيط، والانشغال عن مشاكل البيئة بمشاكل أخرى.
وتشكل مسألة تصريف النفايات بأشكالها تحديًا كبيرًا وتهديدًا إضافيًا للبيئة الفلسطينية، وتكمن المشكلة في أن "مكباتها" أماكن عامة مفتوحة وغير معزولة ولا مسيجة؛ بحيث يسهل العبث بها، ولا تتوافر مواقع حرق صحية.
وفي نفس السياق نجد أن مخلفات محصول الزيتون الذي يعصر سنويًا نحو 90% منه لإنتاج الزيت، يتم التخلص منها دون معالجة بإلقائها قرب المعاصر أو في حفر امتصاصية، علما أنه تنتج من عملية العصر مخلفات سائلة تحتوي على نحو 42 ألف جزيء في المليون من المواد العضوية، و65 ألف جزيء في المليون من المواد العالقة.
وهناك مخلفات صناعية تحتوي على مواد سامة، مثل الكروم والزنك والنحاس والرصاص، تنتج في الضفة الغربية من مصانع الطلاء الكهروكيميائي ودباغة الجلود وصباغة الأقمشة، يتم التخلص من هذه المخلفات -كباقي الصناعات- في الحفر الامتصاصية وشبكات المجاري مع المياه العادمة المنزلية التي غالبًا ما تنتهي في الأودية، أو في الأماكن المفتوحة ملوثة التربة والمياه الجوفية.
وليست مصانع الأدوية بأحسن حالا؛ حيث إنه في غياب المقاييس والقوانين ظهرت ممارسات خاطئة من أصحاب المصانع يشكل استمرارها خطرًا على الصحة والبيئة. ومن أهم تلك الممارسات عدم معالجة النفايات الصناعية الصلبة والسائلة بالطرق السليمة، والتخلص منها دون معالجة بإبقائها قرب المصنع، أو حرقها في الهواء الطلق، أو خلطها بالنفايات المنزلية؛ وهو ما يلوث المياه الجوفية والهواء والتربة بمواد خطرة وسامة.
ورغم أن استخراج الأحجار لأغراض البناء من أهم الصناعات المحلية في الضفة الغربية؛ فإنها تنتج كميات كبيرة من الغبار تلوث الهواء، وكثير منها لا يبعد إلا أمتارًا قليلة عن المناطق السكنية، يضاف إلى ذلك المحاجر الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية التي صادرت أكثر من 18.7كم2 لهذا الغرض، ويُشار إلى أن إسرائيل تعتمد على الحجر المستخرج من المناطق الفلسطينية لسد احتياجاتها، بعد أن صدر قانون في إسرائيل بمنع إنشاء محاجر جديدة بسبب تأثيرها السلبي على البيئة.
أما المبيدات الزراعية؛ فتُعد مأساة -بحد ذاتها- نظرًا لاستخدامها المكثف مع ما تحويه من مواد خطرة على البيئة والصحة العامة؛ حيث يستخدم حاليًا نحو123 نوعًا من المبيدات، منها 14 نوعًا يحظر استخدامها عالميًا بتوصيات من منظمة الصحة العالمية، و7 أنواع أخرى تعتبر من "مجموعة الاثني عشر القذرة"، ويقدر ما تستهلكه الضفة الغربية من المبيدات بنحو 502 طن سنويًا، منها 200 طن من ميثيل البرومايد الذي يستخدم في تعقيم التربة في الزراعة المروية، وله آثار سلبية على طبقة الأوزون. أما في قطاع غزة فيبلغ مجموع المبيدات المستهلكة 282 طنًا في السنة، منها 182 طنًا من ميثيل البرومايد.
__________________